
تونس / جيلاني فيتوري
منصف الرياحي، رجل أعمال تونسي استطاع أن يحقق نجاحًا لافتًا في السويد خلال أربعين عامًا من العيش والعمل في هذا البلد. لم يكن الطريق الذي سلكه مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالتحديات والصعوبات التي واجهها منذ أن وصل إلى السويد شابًا طموحًا. لكن منصف كان يملك عزيمة لا تلين ورؤية واضحة للمستقبل، الأمر الذي جعله يتغلب على كل تلك الصعوبات.
ولد منصف في تونس، وكان لديه دائمًا حلم بأن يكون له تأثير إيجابي في المجتمع، لكنه لم يعرف حينها أن هذا الحلم سيأخذه إلى السويد، حيث سيتحول من مهاجر شاب إلى رجل أعمال بارز في مجال الصيدلة. في بداية مشواره في السويد، كانت التحديات كبيرة. لم تكن اللغة السويدية سهلة عليه، وكان يعاني من صعوبة في التكيف مع نظام الحياة المختلفة عن حياته في تونس. ومع ذلك، لم يكن منصف مستعدًا للتراجع. قرر أن يتعلم اللغة السويدية بكل عزيمة، وبدأ يعمل في وظائف بسيطة ليتمكن من إعالة نفسه خلال دراسته.
سعى منصف إلى دراسة الصيدلة في إحدى الجامعات السويدية، وكان يعلم أن هذا المجال سيمكنه من تحقيق طموحاته في السويد. لم تكن الدراسة سهلة، خاصة في بلد جديد، ومع ذلك استطاع أن يتفوق بفضل إصراره وعمله الجاد. وبعد تخرجه، بدأ يعمل في صيدليات محلية في ستوكهولم، حيث اكتسب خبرة قيمة، وأصبح يحقق سمعة طيبة بين الزبائن والزملاء. بمرور الوقت، بدأ يشعر أنه حان الوقت لاتخاذ خطوة جريئة نحو تأسيس مشروعه الخاص. كانت هذه الخطوة هي البداية الفعلية لنجاحه المستمر.
أسس منصف مشروعه الخاص في مجال تجارة الأدوية، وأصبح أحد اللاعبين الرئيسيين في هذا المجال في السويد. لم يكن هدفه مجرد الربح المادي، بل كان يهدف إلى تقديم خدمة عالية الجودة للناس، وتحقيق أثر إيجابي في حياة المرضى. كانت إدارته الناجحة واهتمامه بالتفاصيل من أبرز أسباب نجاحه. استطاع منصف أن يخلق بيئة عمل ترتكز على المصداقية والثقة، ما جعل العديد من العملاء يفضلون التعامل معه على مدار السنوات.

ومع مرور الوقت، أصبحت إنجازاته واضحة. حصل منصف على جائزة “أفضل صيدلي في ستوكهولم”، وهو تكريم لم يكن يتوقعه في بداية مسيرته، ولكن كان يستحقه عن جدارة. كانت هذه الجائزة بمثابة تقدير لتفانيه في العمل، وإلى دوره المهم في تحسين جودة الخدمات الصيدلانية في السويد. لم تكن هذه الجائزة مجرد إنجاز شخصي، بل كانت شهادة على التزامه المستمر بتقديم أفضل خدمة للعملاء، وهو ما جعله يحظى باحترام كبير في المجتمع السويدي.
بالإضافة إلى نجاحه في المجال المهني، كان منصف دائمًا يسعى إلى دعم الجالية التونسية في السويد، خاصة المهاجرين الجدد. كان يؤمن بأهمية تكاتف الجالية التونسية في الخارج، وكان يرى أن نجاح أي شخص في المجتمع السويدي لا يتحقق إلا من خلال دعم بعضهم البعض ومشاركة الخبرات. لذلك، تولى منصف دورًا نشطًا في الجمعية التونسية السويدية لرجال الأعمال، حيث أسهم في تعزيز الروابط بين رجال الأعمال التونسيين في السويد، وشارك في تنظيم فعاليات تهدف إلى تسهيل التبادل التجاري والتعاون بين التونسيين في السويد وتونس.
من خلال نشاطه في الجمعية، أصبح منصف من الأصوات الرائدة التي تدافع عن حقوق المهاجرين التونسيين، وتساعدهم في التغلب على التحديات التي يواجهونها في بلاد المهجر. كان يساهم في تنظيم ورشات تدريبية وتوجيهية تهدف إلى تعزيز المهارات المهنية لرجال الأعمال والمهاجرين الجدد، وتقديم الاستشارات لهم بشأن كيفية تأسيس مشاريعهم الخاصة في السويد. كما كان يحثهم دائمًا على عدم الاستسلام وأن يكون لديهم الثقة في قدراتهم، مؤكّدًا أن الفرص موجودة في السويد لجميع من يسعى بجد لتحقيق أهدافه.

النجاح الذي حققه منصف كان نتيجة للعديد من العوامل. أولها كان الإيمان العميق بالعمل الجاد، والقدرة على التكيف مع التحديات. ثانيًا، كان منصف يمتلك رؤية واضحة لما يريده، ويعرف تمامًا أن النجاح لا يأتي بسهولة، بل يحتاج إلى الكثير من الصبر والمثابرة. إضافة إلى ذلك، كانت قناعته بأن النجاح الحقيقي ليس فقط في تحقيق الأرباح، بل في التأثير الإيجابي على حياة الآخرين من خلال تقديم خدمة متميزة.

تحدث منصف في عدة مناسبات عن التحديات التي واجهها كتونسي في السويد. كان يعرف أنه لا بد من بناء الثقة مع المجتمع السويدي، خاصة في بداية مشواره المهني. لكن مع مرور الوقت، استطاع أن يثبت نفسه ليس فقط كمحترف في مجال الصيدلة، بل أيضًا كجزء من المجتمع السويدي الذي يقدر التعدد الثقافي. أصر على أن تبقى هويته التونسية جزءًا من شخصيته، وأصبح في الوقت نفسه جزءًا لا يتجزأ من المجتمع السويدي، مما ساعده في بناء شبكة من العلاقات القوية والناجحة في المجالين المهني والاجتماعي.
أما بالنسبة لمستقبل الصيدلة في السويد، فيرى منصف أن هناك فرصًا كبيرة في هذا المجال. يشير إلى أن هناك تحولًا ملحوظًا نحو التكنولوجيا الرقمية في مجال الصيدلة، حيث يتجه العالم نحو الأدوية المخصصة التي تعتمد على الفحوصات الجينية والطب الشخصي. كما أن هناك اهتمامًا متزايدًا بتطوير الأدوية التي تعالج الأمراض النادرة، وهو ما يعد بمثابة ثورة في عالم الصيدلة. منصف يرى أن السويد ستظل رائدة في هذا المجال، وأن الابتكار سيظل أساسًا لتحسين جودة الرعاية الصحية.

بالنسبة للجيل الجديد من المهاجرين الذين يسعون لتحقيق النجاح في السويد، يوصي منصف بأن يؤمنوا بأن الفرص متاحة لهم. يؤكد أن العمل الجاد والإصرار هما السبيل الوحيد لتحقيق النجاح في أي مجال. يرى أن السويد تقدم بيئة مثالية للأشخاص الطموحين الذين يسعون لتطوير أنفسهم. لكنه في الوقت نفسه يحذرهم من التفكير في أن النجاح يأتي بين عشية وضحاها، بل يتطلب الأمر وقتًا طويلًا وجهدًا مستمرًا. النصيحة الأهم التي يقدمها هي أن يظل الشخص مخلصًا لقيمه وأصوله الثقافية، وأن يسعى دائمًا لتقديم الأفضل.
اليوم، وبفضل تلك الجهود المستمرة والإصرار الذي لا يتزعزع، أصبح منصف الرياحي ليس فقط مثالًا للنجاح في مجال الصيدلة، بل أيضًا رمزًا للإصرار على النجاح في وطن جديد. نجاحه هو شهادة على أن الطريق إلى القمة قد يكون طويلًا، لكنه ممكن إذا كان لدى الإنسان الرغبة الحقيقية في تحقيق أهدافه، بغض النظر عن التحديات والصعوبات التي قد تواجهه.